القائمة الرئيسية

الصفحات

من عملاق الأثاث حول العالم «ايكيا».. هكذا يُصنع النجاح

إذا كنت تعمل ولا تشعر بالحماس الزائد، فاعتبر أن ما لا يقل عن ثلث حياتك قد ذهب هباء قولة كامبراد عن العمل


في عام 1931 وفي إحدى طرقات قرية أجوناريد التابعة لمحافظة سمولاند بجنوب السويد، حيث بقايا ثلج متساقط

 على جانبي مدقات صنعتها أقدام سكان القرية. يتحرك في تؤدة على دراجته الهوائية المتهالكة طفلٌ نحيف لم يتجاوز الخامسة، تضغط قدماه النحيلتين على دواسة الدراجة دافعًا إياها ومتأرجحًا يمنًة ويسرة ليحفظ جسده النحيل دون سقوط. يحمل الطفل في صندوق رث ثبَّته في مؤخر الدراجة بضع علب من الكبريت، يطوف بين الطرقات ليبيعها لأبناء قريته

لم تكن السويد في ذلك الوقت كاللؤلؤة المتألقة كسويد اليوم، بل دولة فقيرة يعمل سكانها في الزراعة ويعانون من شظف

العيش أصنافًا. تلك الحياة الريفية القاسية حيث العمل الجاد والتوفير، والفقر الذي يضرب الجميع


 

طفل الأعمال

ينتمي الطفل لمزرعة ألمتاريد في القرية. ويبدو أن جينات التجارة والأعمال انتقلت إليه من أجداده لتسري بحماس فيعروقه. ففي عام 1897،كانت الشركة التابعة لجده على وشك الإفلاس، فجده لم يستطع دفع الرهن العقاري مما دفعه للانتحار. ولكن جدة الطفل الأشقر صاحب الدراجة المتهالكة، استطاعت أن تنقذ أعمال زوجها المنتحر. ومن ثم فقد مررت لحفيدها القدرة على التغلب على الصعاب بفضل قوة الإرادة والمثابرة. فرانسيس الجدة الحديدية كان لها عظيم الأثر الإيجابي ليس فقط على الطفل ولكن على الأسرة بأكملها. وعلى الرغم من أصلها

البسيط إلا أنها كانت امرأة فائقة الذكاء

بلغ الطفل السابعة، ولم تهدأ جينات الأجداد قط، فوسَّع من شريحة عملائه، فبدلًا من توزيع أعواد الثقاب داخل قريته فقط، بدأ في الخروج إلى القرى المجاورة. كان يرى أنه يمكن شراء كميات كبيرة من الثقاب من العاصمة ستوكهولم بأسعار رخيصة وإعادة بيعها بشكل فردي وتحقيق أرباح جيدة

 

لازالت جينات الأجداد تحثه للمضي قدمًا. ففي سن العاشرة نوَّع تجارته من أعواد الثقاب إلى بيع زينة شجرة أعياد الميلاد، وبذور الورود ثم تطور الأمر إلى أقلام الرصاص والحبر

 

«أعتقد أنني كنت مختلفًا قليلًا عن الآخرين في مجال الأعمال التجارية، فقد بدأت النشاط التجاري في وقت مبكر جدًا. ساعدتني عمتي على شراء أول 100 صندوق من أعواد الثقاب بـ 88 أور (عملة معدنية دنماركية ونرويجية قديمة) من ستكهولم. وكانت المجموعة كاملة ب 88 أور. ولم تجعلني عمتي أقوم بدفع تكاليف البريد حتى. بعد ذلك قمت ببيع علبة الكبريت بسعر اثنين أو ثلاثة وأحيانًا خمسة أور. ما زلت أتذكر ذلك الإحساس الجميل الذي انتابني بسبب الحصول على أول أرباح لي. لم يزد عمري عن خمسة أعوام في ذلك الوقت»، الطفل الأشقر صاحب القدمين النحيلتين الذي سيصبح واحدًا من أغنى الأفراد على وجه الكرة الأرضية، إنه إنغفار كامبراد مؤسس وصاحب عملاق صناعة الأثاث متحدثًا عن أولى أنشطته التجارية المبكرة

 

في العام 1943 في عمر 17 كافأه والده بمبلغ من المال لتفوقه في المدرسة. فهل أنفقها كعادة الشباب في مثل سنه حيث قضاء معظم الوقت في ملاعب كرة القدم والمرح والسعي وراء الفتيات الإسكندنافيات الجميلات؟ لا، لأنه ببساطة الأسطوري إنغفار كامبراد. قام كامبراد بتأسيس العملاقة «ايكيا» بهذا المال آنذاك

لمسوِّق البارع

ومن أجل جذب الزبائن المحتملين لمشاهدة معروضات متجره، قطع رجل الأعمال الشاب على نفسه وعدًا بتقديم فنجان من القهوة وكعكة لكل واحد سيحضر المعرض. نجحت حيلة الماكر واستقطب المتجر المتواضع أكثر من ألف شخص، وهو عدد ضخم في ذلك الوقت. لاحت له فكرة بسبب ذلك وهي فتح مطعم للوجبات السريعة في كل متجر من متاجر ايكيا، وهو الذي نفذه ببراعة فيما بعد.

 

وبعد عامين نمت أعمال كامبراد بقوة حتى عجز عن إجراء مكالمات المبيعات بشكل فردي، فقام بتشغيل خدمة الطلب البريدي بشكل مؤقت، بالإضافة إلى الإعلانات في الصحف المحلية. كما إنه لم يملك في بادئ الأمر سيارات لنقل منتجاته، فكان يحملها على شاحنات نقل الحليب إلى محطة القطار المجاورة له.

 

الذين يتعاملون مع السيد إنغفار عن قرب يقولون إنه مسوق رائع، وأنه الرجل الحكيم الذي لا يخطئ. لدرجة أن استراتيجيته تم تدريسها وفحصها من قبل أصحاب المشاريع الكبرى في جميع أنحاء العالم. على الرغم من أنه لم يكمل الدراسة ولم يذهب للجامعة. فكان معترك الأعمال هو أفضل جامعة تخرج منها. وعملاق الأثاث نشأ بفضل الخبرة الشخصية وعناية ورعاية الرجل الحكيم

 

في عام 1948 التقط الشاب ظاهرة في المجتمع السويدي وهي صعوبة حصول معظم الناس على الأثاث الفاخر بسبب تكلفته العالية، فتراقصت جيناته لهذه الفرصة. على الفور، بدأت ايكيا في تصنيع الأثاث عن طريق مجموعة من المصنعين المحليين في الغابات القريبة من منزل إنغفار. واستقبلت الأسواق منتجه بترحاب كبير، فنمت أعماله وتوسعت خطوط إنتاجه. وأصبح الأثاث المصدر الرئيسي لأرباح ايكيا.

 

بسبب اعتقاده في حجم الفرص الكبيرة لبيع الأثاث على نطاق واسع باستخدام التسويق، قام إنغفار في عام 1951 بنشر كتيبات تدعى «ايكيا نيوز» لعملائه، وهي التي أصبحت بعد ذلك كتالوج ايكيا العصري الشهير. ويقال إن هذا الكتالوج قُرئ أكثر من الكتاب المقدس ذاته

 

كان رجل الأعمال الشاب يستهدف العملاء من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، حتى إنه أطلق عبارة أصبحت من المواثيق الشهيرة داخل الكيان العملاق وهي: «من الأفضل بيع 600 كرسي بسعر منخفض، عن بيع 60 كرسي بسعر مرتفع

 

المنافسون.. حروب وصراعات

انتهج إنغفار استراتيجية بيع قاتلة للمنافسين تتمثل في البيع بأسعار منخفضة، فقاطعه المصنعون المحليون بضغط من المنافسين الكبار في عام 1955. ونشبت حرب أسعار بين ايكيا والمنافسين وعلى رأسهم جيمارز فابريكر. كما دخل في مشاكل عديدة مع الاتحاد السويدي لصناعة الأثاث والأخشاب. عقبات مؤكد أنها ستقضي على خطط وآمال وأنشطة أي رجل عادي. ولكنه إنغفار كامبراد الذي ربته جدته وهيأته لمثل هذه الظروف العصيبة.

 

وقعت الجودة ضحية لهذه الحرب المستعرة، ولكن كامبراد حسمها لصالحه عن طريق سلاح «الابتكار». منتجات ذات جودة عالية بأسعار مناسبة. وكانت الضربة القاضية للمنافسين حينما أدخل طريقة تصنيعية جديدة أحدثت على بساطتها ثورة في عالم الأثاث وهي «الحزم المسطحة the Flat Pack» حيث يمكن للعميل حمل الأثاث بسهولة في صورة حزم، وتركيبه بسهولة دون مساعدة من خلال تعليمات واضحة وصريحة. كما عمد على تنويع الموردين لكيلا يقع في مأزق المصنعين المحليين من جديد، فكان يجلب مكونات الأثاث من دول خارج السويد مثل بولندا وبأسعار رخيصة.

 

 

كانت رسالة كامبراد التي مكنت ايكيا من الانتشار والتوسع هي فكرة قائمة على أن أي شخص ينبغي أن يكون قادرًا على اقتناء أثاث عصري أنيق بأسعار مناسبة. ومن أجل ذلك، تسرب بسلاسة ذلك الشعور الذي يتمناه كل صاحب منتج إلى عملائه، وهو أن هدف الكيان الأول خدمة الناس وليس جمع الأرباح.

 

نمت أعمال كامبراد، ونمت، وتوسعت ايكيا في جميع أنحاء السويد، إلى النرويج والدنمارك، وعبر المانيا إلى باقي الدول الأوروبية، ثم إلى أقاصي بلاد العالم. عندما افتتح ايكيا في شنغهاي، زار المتجر 80 ألف شخص في أول يوم.

 

إنغفار كامبراد لم يكن رجلًا تقليديًا، بل يمكن القول إنه كان ظاهرة، فلم يقترض طوال هذه الرحلة المبهرة سوى القرض الذي نوهنا عنه، ولم يطرح أسهم ايكيا في البورصات لاعتقاده بأنه لا يجب أن تلجأ ايكيا للمؤسسات المالية الأخرى.

 

تزوج كامبراد مرتان. كانت زوجته الأولى كريستين ودلينج، وتبنى ابنته انيكا كيلبوم. ولديه ثلاثة أبناء من زوجته الثانية مارجريتا كامبراد-ستنرت التي ساعدته على تحقيق حلم ايكيا، وهم بيتر، وجوناس، وماتياس. توفيت الزوجة الثانية بسبب مرض غير معروف عام 2011 عن عمر 71 عامًا.

 

تقاعد إنغفار منذ سنوات، وأصبح كبير الاستشاريين لايكيا. رئيس المجموعة الآن والرئيس التنفيذي هو بيتر أجنيفيال وتم تعيينه في هذا المنصب في الأول من سبتمبر (أيلول) 2013، فاكتسب معرفة عميقة ودراية وخبرة كبيرة في إدارة الأمور داخل الكيان العملاق.

 

 

الملياردير البسيط

تسعون عامًا هي عمر إنغفار الآن، ومع ذلك لا يزال يسافر حول العالم لزيارة متاجر ايكيا الجديدة. معروف عن الرجل بساطته واقتصاده، فمبادئ مثل الاقتصاد والتوفير والبساطة كانت سائدة لدى القرويين السويدين وانتقلت إليه بالفطرة. رغم ملياراته؛ يعيش إنغفار في بيت من طابق واحد، ويسافر على الدرجة السياحية، ويدعو موظفيه بزملاء العمل، ويشجع الجميع على اللباس غير الرسمي، ويقيم في فنادق رخيصة، ويقود بسيارته الفولفو القديمة، ولا يجري أي مقابلات.

 

يقول منتقدوه إنه يهدف من وراء هذه الأفعال إلى تعزيز العلامة التجارية للشركة، وتشجيع ثقافة الاقتصاد بين موظفيه. ويشيرون إلى أنه قد يكون أغنى رجل في العالم لأنه يملك عدة منازل فخمة في جميع أنحاء العالم، وسيكون من السخف أن نفترض أن رجلًا بهذه الثروة لم يستخدم أيًا من تلك الممتلكات لأغراض خاصة.

 

حياة الرفاهية والترف ليست شيئًا عاديًا من الممكن لأي شخص مقرب من إنغفار أن يعيشها، ولكنها تصل في نظر إنغفار حد الخطيئة، فيقول في ذلك: «نحن لسنا بحاجة إلى سيارات مبهرجة أو ألقاب مثيرة للإعجاب أو أزياء رسمية تناسب الحالة. نحن نعتمد على قوتنا وإرادتنا». الموظفون في ايكيا أو زملاء العمل كما يسميهم إنغفار، يكتبون على الورقة من الناحيتين، وإذا ما خرج الموظف من غرفة وترك الأضواء مشتعلة، فيتم زجره على هذا الأمر.

 

أما عن هيكل الملكية لايكيا فهو معقد ومتشابك بعض الشيء، على خلاف الحزم المسطحة التي تصنعها الشركة. فتوجد العديد من الصناديق الائتمانية التي لا يمتلكها كامبراد بشكل شخصي، بحيث يصبح من المستحيل معرفة ثروة إنغفار على وجه الدقة. ولكن الكثير من التقديرات تشير إلى أنه إذا ما حللنا أصول ايكيا المعقدة فسوف يقع الرجل بين المركز الأول و11 على قائمة أثرياء العالم. بسبب إعادة تصميمه لممتلكات ايكيا بشكل معقد، فقد انخفضت ثروته المنظورة من 43 مليار دولار إلى 3.5 مليار دولار بعد أن قام المحامي الخاص به بإجراء بعض التعديلات والتقسيمات على هيكل الملكية بحيث لا نعرف لأي شخص تحديدًا تصب العوائد المالية الناجمة عن عمل هذا الكيان الضخم.

 

ويشارك أولاده الثلاثة الذين يتعمدون عدم إجراء أيه مقابلات مثل والدهم، يشاركون في إدارة إمبراطورية الأسرة، التي تطال يدها العديد من المشاريع الأخرى مثل العقارات، وسلسلة فنادق، وأحد البنوك، وبطاقات الائتمان

هل اعجبك الموضوع :